القائمة الرئيسية

الصفحات

في محطة القطار في مدينة ميونخ الألمانية

قصة ما عند الله خيرٌ وأبقى


في محطة القطار في مدينة ميونخ الألمانية والوقت متأخر ليلاًَ والطقس بارد .
قطعت تذكرة للسفر إلى مدينة "فريدريشهافن"  حيث يُقام معرض لآلات البلاستيك ،
وإذا بالموظف في شباك قطع التذاكر يسألني إن كنت أعرف لغة مسافرٍ لا يجيد اللغة الألمانية واقفاً بجانبه لأشرح له كيفية السفر إلى المكان المطلوب …

المسافر كان من دول الخليج يريد أن يتابع سفره إلى مدينة فرانكفورت للعلاج - على ما أذكر - ولم يكن في هذا الوقت المتأخر قطار ينتقل مباشرة إلى فرانكفورت ، بل عليه أن ُيبدّل القطار مرتين في محطتين مختلفتين ليصل إلى هدفه ،وكانت أول مرة يسافر فيها إلى الغرب ولا يتكلم أي لغة أجنبية …

حاولت ان أشرح له سريعاً كيفية الوصول، ولكن تعابير وجهه لم تكن تدل على أنه استوعب ذلك،
فأحضرت ورقة وكتبت له باللغة العربية اسم البلدة الأولى ووقت الوصول،.
 ثم انه يجب عليه النزول سريعاً إلى المحطة المطلوبة وأخذ القطار المطلوب، ثم مرة ثانية اسم البلدة التالية ووقت الوصول ثم النزول سريعاً وأخذ القطار الثاني إلى الوجهة المطلوبة، وكتبت الترجمة بالألمانية تحت كل جملة ليُعلِمَ الشخصَ الذي سيرشده إلى الوجهة المطلوبة، ثم رافقته إلى محطة قطاره المطلوب…

صعدنا القطار ثم تابعته إلى أن جلس وتكلمت إلى جليس ألماني بقربه ووعدني أن يرشده للوجهة الأولى والثانية…

لوّحت له مودعاً وتمنيت له سلامة الوصول .

انتبهت لنفسي ونظرت إلى تذكرتي فوجدت نفسي على رصيف غير الذي يجب أن أكون عليه لأركب قطاري،
وقد مضى خمس دقائق على توقيت القطار المطلوب ، فركضت مسرعاً إلى الرصيف فإذا بالقطار كأنه ينتظرني سخصياً وهو على أهبة السير وقد كُتب على اللوحة ( تأخير خمس دقائق)،

صعدت لاهثاً ومشى القطار ..
وحمدت الله.
وصلت إلى وجهتي منتصف الليل، وأخذتُ سيارة أجرة فسارت بي قليلاً للخروج من محطة القطار، ثم سألني السائق عن وجهتي ؟ فأجبته : إلى أي فندق في المدينة....

توقف السائق فجأة وقال:

أعتذر منك،، فالفنادق كلها مشغولة منذ الساعة العاشرة إنه وقت لا مكان شاغر لك فتفضل بالنزول !
قلت : إلى أين أذهب في هذه الساعة وفي هذا الطقس البارد ؟؟ …

رَقّ السائقُ لحالي، ثم اتصل عبر جهازه اللاسلكي بمكتب سيارات الأجرة الذي يوجّههُ وقال للموظفة التي ردت عليه :
معي راكب يريد فندقاً ،
فأجابت بعصبية : ألم أقل لك مراراً بانه لا يوجد شواغر في الفنادق كلها بعد الساعة العاشرة !!!
وسمعنا في هذه الثانية صوت رنين الهاتف الداخلي بمكتبها فأجابت عليه ، ثم قالت لسائقي:
 انطلق إلى فندق الدولاب الذهبي، فإن نزيلاً اعتذر عن الحضور وحجزتُ للراكب الذي معك المكان : أعطني اسمه.
وإذا بالسائق يقول متعجباً : (انغلوبليش انغلوبليش) بمعنى لا أصدق ! لا أصدق ! فقد كان مبهوتا بهذا التوفيق العجيب ولا يجد له تفسيراً …

وصلت الفندق فحيّاني موظف الاستقبال وقد كُتب على لوحة أمامه -لا أماكن شاغرة- وقال لي:
أنت محظوظ !!!
العشرات ينتظرون مكانا" شاغرا …

استلمت الغرفة ونظرت من شرفتها التي تطل على البحيرة ومناظرها الخلابة وأضوائها الهادئة، وسكونها المريح واسترجعت في ذاكرتي ما حصل لي مع هذا المسافر، فانحدرت دمعة رقيقة من عيني وأنا أحدّثُ نفسي:

قطار بمئات الركاب يتأخر لأجل راكب ؟…
وغرفة مميزة في فندق مميز تُحجز لي في توقيت معجز في الدقة لشخصٍ معين دون العشرات ؟…

أمِن أجل الوقوف على رصيف محطة لمساعدة إنسان تائه؟!
كل هذا الكرم ؟!…

أيقنتُ أنه لا يجوزُ التردّد في مساعدة المحتاجين وإغاثة الملهوفين والضائعين…والله المُستعان…
 *وتخيل معي .



ذلك الذي يرشد التائهين في دروب الحياة…
ويرشدهم إلى الرصيف الذي عليه القطار الموصل للخير والصلاح…

إلهي …

إني إنسانٌ تائهٌ،…
أقفُ على الرّصيف …
بانتظارِ القطارِ الذي يأخذني إليكَ وإلى جنّتِك…
واحفظني من الزلل والفتن فأنت خيرٌ حافظاً …
وأنتَ أرحمُ الراحمين…

                أسعدكم الله بطاعته
              وحسن التوكل عليه

تعليقات

التنقل السريع