القائمة الرئيسية

الصفحات

قصة حظ كانت أوَّل مرة رأيته فيها عندما سَكَنَ مع عائلته بجوارنا ، ومن حينها عرفتُ ماذا يعني الحب من أول نظرة 

قصة حظ كانت أوَّل مرة رأيته فيها عندما سَكَنَ مع عائلته بجوارنا ، ومن حينها عرفتُ ماذا يعني الحب من أول نظرة 

 


من حسن حظي أنَّ أمي في كل مرة تأتي بها عائلة جديدة لعمارتنا ، كانت ترسل معي طبقاً من الحلويات من صنع يديها لكي تخلق رابط مودة معهم .
حلَّقْتُ إليهم وطرَقْتُ الباب ، والدعاء يخرج من قلبي بأن يفتحه هو ، ولأني محظوظة كما يقولون لي دوماً ، فتحَ الباب ، فوقَعَتْ عيناي أولاً على يديه ، فاطمَأْنَنْتُ أنه أعزب  ، وغَرِقتُ بلحظة بالتمعّن بملامحه فعَرِفْتُ أنه لا يتجاوز الثلاثين ، ولم أبالي أنه واقف أمامي كتمثال محنّط وملامح الدهشة تعلو وجهه ، وهو ينتظر مني أن أقول كلمة ، لكني لم أعد لوعيي إلا عندما سمعت صوت أمه تنادي :
-من بالباب ؟! 


فقلت بقرارة نفسي:
-تباً ، لقد دخل ، وحماتي المستقبلية بدأت تمارس دورها من الآن .
رسمت البسمة على وجهي وأنا أقول :
-تفضلي ح، خالة ، أمي أرسَلَتْه لكم وقد أخْرَجَتْه للتو من الفرن ، وأنا متأكدة أنه سيعجبكم كثيراً ، فهي ماهرة بصناعة الحلويات.
حمَدْتُ الله بلحظتها، أنَّ كلمة حماتي لم تخرج كاملة من فمي، وتوقَّفْتُ عند أول حرف .
أخذَتْهُ بابتسامة  تشع وداً ومحبة ، ثمّ دعتني للدخول ، لكني رفضت قائلة:
-ليس الآن، لكن من المؤكد أننا سنأتي لزيارتكم أنا وأمي .
ثم عدْتُ للمنزل ، وأنا أقول في قرارة نفسي:
-لو كان الأمر عائد لي، كنت دخلتُ وقضيت معكما يوماً كاملاً ، ثمَّ طلبتُ يد ابنكِ للزواج .
استلقَيتُ على سريري وقلبي يتراقص فرحاً لمجرد أني وقفتُ أمام ذلك الوسيم ، أبيض البشرة ، طويل القامة ، عريض المنكبين ، ذو لحية أكملت فيه ملامح الرجولة التي أحبها، وقَرَّرْتُ أن أغتنمَ كل الفرص التي تجعلني أستطيع مقابَلَتَهُ والحديث معه ، ولم يكن أمامي سوى أن أبدأ بالوسوسة لأمي بعدم الاكتفاء بطبق الحلويات ، بل أننا يجب أن نتقرّب منهم ونتبادل الزيارات معهم بشكل دوري ، كونهم أقرب إلينا من أقاربنا ، وعلاقتنا عندما تكون جيدة معهم ، سينعكس ذلك علينا ، ومع الأخص بهم ، كونهم جيراننا بنفس الطابق .


كانت أمي تملك من الطيبة ما يجعلها تتأثر بكلامي ، فهي تحب أن تقوم دوماً بالأفعال الحسنة ، ومع أني لم أتجاوز عامي العشرين، لكني كنت أشعر دوماً أنَّ عقلي أكبر من عقلها ، فقرَّرْتُ أنْ أجعَلَها وسيلة أستطيع من خلالها التقرب من حماتي المستقبلية ، وكسب محبَّتها ، وجعلها تأتي بأقدامها لخطبتي ، كوني لا أستطيعُ أن أتقرَّب من ابنها ، لأني لا أدرس ولا أعمل ولا أخرج من البيت إلا برفقة أمي .
…..يُتَّبَع

الجزء الثاني:الحظ


لم آخذ وقتاً طويلاً في إقناع أمي ، فذهبتُ في ظهر اليوم التالي ، لأقول لحماتي المستقبلية أنّنا سنزورها  ، رحَّبَت بنا أشدَّ ترحيب ، فأخَذَتْ أمي طبق حلويات كي لا ندخل فارغتا الأيدي ، وما إن جلسنا حتى سأَلَتْها أمي أسئلة ، كانت عالقة بحلقي ، فمن حسن حظي أنها تحدَّثَتْ بلساني ، ووضَّحَت لي الطريق الذي سأسلكه لكسب غايتي .
-لقد رأيتُ ابنكِ بالأمس وهو شاب وسيم حفظه الله ورعاه ، هل متزوجٌ أم خاطب؟!
تنهًَدَتْ ثم قالت:
-كم أتمنى ذلك ، لكنه رافض لفكرة الزواج ، حتى أني عرضتُ عليه مراراً وتكراراً أن أخطب له ابنة أختي أو ابنة أخي لكنه رفض بشدة ، لدرجة أني ضغطت على نفسي وعرضت عليه أن أخطب له ابنة عمه أو عمته لاعتقادي أنه يرغب إحداهن ، لكنه استمرَّ بالرفض.
قلتُ في قرارة نفسي:


-بعد الآن لن تحتاجين إقناعه ، فهو الذي سيركض خلفكِ لخطبتي.
عاوَدَت أمي سؤالها :
-ماطبيعة عمل ابنكِ ، أقصد ألا يلتقي بعمله بفتيات يُعجَبُ بهنَّ ؟!
-ابني لديه محل ألبسة نسائية وَرِثَهُ عن أبيه ، ومع أنَّ معسول اللسان لطبيعة عمله ، وأوقَعَ فتيات كثيرات بحبه ، لكنَّ فؤاده لم يخفق لإحداهُنَّ ، غير أنه خارج عمله يلتزم الصمت ولا يتحدَّث حتى مع بنات أقاربنا.
وما إنْ شربنا القهوة حتى عدنا إلى المنزل بعد أن دَعَتْها أمي لردّ الزيارة  .

 

مع أني وَدَدْتُ لو أننا نجلس بضع ساعات، لكني رأيتُ في بداية التعارف أنَّ الزيارة يجب أن تكون قصيرة ومع مرور الوقت سأُزيدُ توقيتها ، وربما أجد فرصاً للجلوس مع حماتي المستقبلية بمفردي ، فقد بعث كلامها الطمأنينة بداخلي ، وزاد من بهجتي وإصراري للفوز بابنها ، بعد أن ضمنْتُ الوفاء والإخلاص به ، فما أجملَ من زوجٍ وسيمٍ تتودَّدُ النساء له ولا يُعيرُهُنَّ أدنى اهتمام

الجزء الثالث: الحظ

في اليوم التالي لزيارتنا ، تعطّلَت غسالتهم ، فاضطرَّت أن تعطينا ملابس ابنها ، كي نغسلها بغسّالتنا كون أناقته بالعمل ضرورية .
أيقَنْتُ حينها أنَّ حظي قد أعطاني الفرصة لكي أُظهِرَ اهتمامي وترتيبي ونظافتي ، فتطَوَّعْتُ أن أقومَ بغسيلهم ، وعندما أخذتهم إليها ، فتح ابنها الباب وما إن رأيته حتى وضَعْتُ ناظريَّ أرضاً وأنا أقول :
-أين الخالة ؟!
ردَّ بدهشة :
-أووه ، لقد غسلتي ثيابي؟!
تعمَّدْتُ أنْ أستمرَّ بالنظر إلى الأرض بابتسامة طفلة خجولة، وأطلقت الكلمات بسرعة :
-غسلتهم ونشرتهم وكويتهم ورتَّبْتُهُم.
ضَحِكَ ،ثم مدَّ يديه لأخذهم قائلاً:
-أشكركِ، لكن أمي ليست بالمنزل.


وما إن لامسَ إصبعي حتى شَهَقْتُ مذعورة وهرولتُ إلى المنزل ، وقلبي كاد أن يخرج من بين أضلعي من هول ضرباته.
لم تمضي بضع ساعات، حتى طُرِقَ الباب ، فهرولتُ كي أفتحه ، فإذا بأمه واقفة بابتسامة عريضة:
-شكراً لكِ يا ابنتي على اعتناءِكِ بملابس ابني ،لقد أثارَتْ إعجابه ، فحتّى أنا لا أعتني بها بهذا الشكل الرائع.
خَفَضْتُ ناظريَّ خجلاً :
- لا داعي للشكر يا خالة ، فأنتِ مثل أمي ولو أني لم أكن أخشى أن تتضايقي كنتُ ندهتُ لكِ أمي.
احْتَضَنَتني فجأة ، ثمَّ قالت والدموع تغمر عينيها:
-باركَ الله بكِ ، كم كنتُ أتمنى لورزقني الله بفتاة مثلك ، لكن شاء ألا أُنْجِبَ سوى ابني
-والآن أصبحَ لديكِ ابنة والتي هي أنا .


ابتسمَتْ بعينين ضاحكتين ، ثم دعتنا لزيارتها بعد نصف ساعة ، لاحتساء القهوة مع الحلويات الجاهزة التي اشترتها خصّيصاً لنا ، وبعد أن ندهتُ لأمي وأخذْتُ موافقتها، استَغَلَّيْتُ كل دقيقة بترتيب مظهري ، ثم استرجعتُ بدهشة ردة فعلها ، فلم أتوقع أن تتأثر بكلامي بهذا الشكل ، و حمَدْتُ الله أنها عاطفية أستطيع أكل عقلها ببضع كلمات مثل أمي .
ما إن طرقنا الباب حتى فتح ابنها وكان مستعداً للذهاب ، فألقى التحية على أمي وعليَّ، لكني اكتفيت بإيماءة رأسي.
عندما همَّ بالذهاب ، نظَرْتُ إليه بطرف عيني ، فرأيته ينظر لي  بابتسامة عريضة ، لكني لم أرفع عيناي إطلاقاً ، وما إن خرج حتى بدأت أمه بمديحي ،وهي تقول :
-نِعمَ البنت ابنتكِ ،فلو لا أنكِ أمُّ رائعة لما استطعتي أن تربي فتاة بشطارتها وأدبها ، حتى ابني قد سَعِدَ لرؤية ملابسه وكأنها عادت جديدة .
ردَّت أمي وكان ردها صادماً لي :
-فعلاً ابنتي مثل النحلة النشيطة ، أرجوها دوماً أن تدعني أغسل الملابس لكنها تتطوَّع دوماً بالغسيل والطبيخ ، حتى الحلويات أرجوها أن تسمح لي أن أتسلّى بتحضيرها ، لكنها تحبُّ أن تُريحني وتقوم بكل شيء.
ذُبْتُ كقالب الثلج خجلاً وأنا أقول في قرارة نفسي:
-ما أعظَمَكِ يا أمي ،مدحتيني مع أنكِ تصلين لمرحلة الرجاء لي بأن أساعدك في المنزل ، وكلامك دوماً يدخل لمسامعي من أذن ويخرج من الأخرى  .
بتلك اللحظة نظرَت أمه لي بنظرات فهمتها فوراً ، وأيقَنْتُ أنها تُفَكّرُ أن تجعلني زوجة لابنها ، وأنها ستقوم بخطبتي بأي وقت ، لكني لم أكن أعلم حينها أنها تُخَطّطُ برفقة ابنها لاختباري أولاً .
يتبع…

تكملة الجزء الرابع : من هنا👇

                          اضغط هنا

تعليقات

التنقل السريع